عنوان الموضوع : ااااااااه يا عمار..... رواية جميلة
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
ااااااااه يا عمار.....
إلى من كان قلبه كقلب عصفور
استجمعت ماتبقى لي من قوة .. وحبست دموعي داخل مقلتي .. وأمسكت بقلمي وأوراقي في مبادرة خجولة للصلح معهما ؟!!
فمنذ فترة انقطاع وهجران .. أحسبها طويلة .. أخذني شعور جارف بالحوجه إليهما ..
فلقد كانا من أعز وأقرب الأصدقاء ألى نفسي .. فلطالما أسررت لهما بما يجول في خاطري من أحاسيس ومشاعر ..
وما أمر به من لحظات فرح وحزن , أمل ويأس , حيرة وترقب..
ولا أجد سبب لهذا الهجران والانقطاع سوى هذه الحياة التي أصبحت تمر أيامها كلمح البصر .. في سرعة يعجز عقلي عن استيعابها..
ولكني اليوم .. وما أمر به من مصيبة عظيمة , وبلية جسيمة في فقدي.. لفلذة كبدي , وقرة عيني , وريحانة فؤادي .. ابني الحبيب عمار
أجد نفسي أحوج ما أكون للكتابة لعلني أنفس عن ذلك البركان الذي يثور بداخلي..
فلم أجد غير هذه الأوراق أبثها ألمي وحزني .. بعد أن عجز لساني عن التعبير..
أيام عشتها وأعيشها لم أعش مثلها .. منذ أن بثت الروح في جسدي وفتحت عيني على هذه الحياة..
أيام عصيبة, ثقيلة , ثوانيها ألم , ودقائقها حزن وساعاتها مرارة وحسره..
مرت ومازالت تمر أمام عيني كشريط سينمائي ينتهي ليبتدئ من جديد .. فيلم حقيقي لقصة واقعية عشت تفاصيلها لحظة بلحظة وبكل ذرة من كياني ....
فيلم وضع السيناريو والحوار له القدر .. وكانت مشاهده الرئيسية في تلك البلاد البعيدة حيث الغربة بكل ماتحمله الكلمة من معنى....
أما موسيقاه التصويرية .. فكانت تلك النغمة الحزينة , الكئيبة لهاتف البطل.. وكأنه وضعها ليرثي بها نفسه!؟!
البداية..
كانت في ذلك الصباح المظلم , الممطر ... فبدلا من نور الشمس وأشعتها الدافئة .. كان البرق والرعد والمطر... ولم يكن المطر الذي يبهج النفس ويسعد الخاطر ويفرح الأطفال لا...........
كان مطر من نوع أخر .. فلقد كان نور البرق يشق السماء شقا وكان الرعد يزمجر في صوت يقبض ألباب القلوب... والمطر ينهمر بغزارة رهيبة في منظر مخيف , مرعب..
مثل هذا المنظر في العادة يفرحني ويدخل السعادة في نفسي .. ولكن في ذلك اليوم كان على العكس...
فلقد بعث في نفسي خوف غريب من شئ لم أعرفه ..؟؟!
ولكن بطبيعتنا البشرية التي لاتعلم ماذا يخبئ لها القدر .. أخذت في التفكير في مثل هذه الأجواء الممطرة ..ماذا سأفعل ؟! وأين سأذهب ؟! و.......الخ
إلى أن رن الهاتف تلك الرنة البغيضة .. الرنة التي كانت بداية مأساتي لأسمع بعدها تمتمات وكلمات غير مفهومة .. وارى عيون زائغة ..مفجوعة .. مصدومة ..
انه خبر سيئ.. حادث أليم حدث .. ولكن أين؟! ولمن؟! لمن؟؟!
انه .. انه .. ل عمار......... اااااااااه عمار؟!!!!!!!!
ارتعد قلبي في صدري .. وسرت رعشة في سائر بدني .. وكأن جسدي صعق بتيار كهربائي..
ماذا حدث؟؟ وكيف حدث ؟؟! وأين هو؟! سيل من الأسئلة كان يدور في رأسي حتى كاد رأسي أن ينفجر..
ومن كانت معهم الأجوبة كانت أجوبتهم المقتضبة تزيد قلقي وخوفي...
ومع كل كلمة الأمر يسير كنت أشعر أن الأمر عسير ..
ومع كل كلمة أنه بخير .. كنت أشعر أنه بسوء .. وكأن قلبي يحدثني أن عمار في كرب عظيم ومحنة كبيرة .. ولكن .. أين هو ..؟ وأين أنا..؟؟!
هو في قارة وأنا في قارة أخرى .. تفصلني عنه كل تضاريس الأرض.... وماذا عساي أن أفعل .. سوى الانتظار والصبر على تلك النار التي كانت تتأجج بداخلي وتزداد سعيرا كلما مرت ثانية تتبعها دقيقة ..
ومر الوقت ..... بطيئا كسلحفاة مريضة .. وأنا لاحول لي ولا قوة .. سوى دموع تنهمر من عيني .. وأفكار تشق رأسي .. وخوف وفزع مما قد يخبأه لي القدر ..
وبينما أنا في هذه الدوامة العصيبة .. يئن هاتفي .. طالبا شحن بطاريته .. وما إن أوصلته بالتيار
الكهربائي حتى أتتني نغمة معلنة عن وجود رسالة واردة
كانت تنتظر من يفتحها .. وافتحها لتزيد النار حطبا وتزيد قلبي احتراقا
.. كانت الرسالة منه .. من عمار...........يقول فيها:
قلبي المتيم كاد أن يتفتتا فإلى متى هذا الصدود ألى متى
يامعرضا عني بغير جناية فعوائد الغزلان أن تتلفتا
شوق وحب وحنين وغربة ماكل هذا الأمر يحمله فتى
اااااااااااااااااااااااااااااااااه يا عمار..
قلبي أنا الذي تفتت ..
وانظر إلى وقت إرسال الرسالة فإذا بها قبل وقوع الحادث بدقائق معدودة ؟؟!
وبالسخرية القدر ..
كانت هذه أخر رسالة تخرج من هاتفه لتكون آخر رسالة تصلني منه
وبعد يوم طويل وليلة أطول..وإجراءات عقيمة ...
ها أنا أجلس في طائرة .. كانت دقات قلبي أسرع من محركاتها .. وأنفاس حارة تخرج من صدري أحر من احتراق وقودها ..
لنصل بعد زمن كان الأطول وكأنه الدهر .. نصل لدنيا غير الدنيا ... عالم مختلف .. ووجوه غريبة .. ياسبحانك بالله ويا لقدرتك العجيبة ؟!!
فبين ليلة وضحاها .. فجأة !؟! تتغير الأماكن والأحداث والوجوه ..
ومن محركات الطائرة البطيئة إلى محركات السيارة الأكثر بطئا ّ؟
كانت عجلات السيارة تدور , ومعها تدور الأفكار في رأسي .. ياترى كيف هو؟! بخير أم .........؟
ماذا سترى عيني ؟! وهل سيحتمل قلبي ماسأرى؟؟
ودعوت الله أن تطوى الأرض تحت عجلات السيارة لأصل سريعا وأجد أجوبة لكل الأسئلة ..
وبدأ يظهر من بعيد .. جسم المستشفى الضخم . .. المهيب .. وكلما زدنا اقترابا .. زادت دقات قلبي حتى شعرت بأن أنفاسي ستقطع ..
ونصل وتقف السيارة ليقفز قلبي من صدري كعصفور جريح يطير يبحث في الممرات والأبواب والغرف عن حبيبه الذي يرقد في مكان مااااا
ولكن .. أين؟!! .. أين؟!!
هنا .... نعم .. هنا هذا هو الباب الذي يفصلني عنه كان بابا كسائر الأبواب ولكني في تلك اللحظة رأيته كأبواب القلاع الحصينة , المنيعة وأنا بجانبه كقزم صغير .. بائس .. يائس
وفتح الباب .. وفتحت معه الام وحسرات لم تنتهي ..
انه هناك عمار...... اااااااااااااااااااه يا عمار
يتبع
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
** تكملة **
كان مغمض العينين .. مستلقي على السرير .. ومستسلما للقدر
كان يرقد بطول السرير وبعرضه .. وكان جسده العاري يتلألأ نورا وبهاءا .. كان كفارس سقط من على صهوة جوداه.......
وبرغم من منظر جسده القوي , الفتي , ألا أني كنت أشعر أن كل مابداخل هذا الجسد يتألم.. ويتأوه .. في صوت غير مسموع كنت أنا فقط من يسمعه..
كانت الأجهزة تحاصره من كل مكان.. وأنابيب قبيحة تخترق جسده الغض تدخل من مكان
لتخرج أخرى من مكان آخر..وأصوات تلك الأجهزة مازال يرن في أذني..
هذا صوت دقات قلبه .. وهذا صوت شهيقه وزفيره ..وهذا صوت صرخة حبستها بداخلي .. ربما لو أطلقتها لأخرجت معها لهيب من نار....
رحماك يارب .. رحمااااااااك
أهذا عمار ؟؟؟!!!!!!!!
أهذا هو ذلك الفتى . الذي كان يملأ الدنيا فرح وسعادة وحركة؟؟
انه يرقد بلا حراك .. بلا حول له ولا قوة ..
ويقف القلم عاجزا عن الحركة .. لأني عاجزة عن التعبير ..
خرجت من تلك الغرفة مذهولة .. أحمل قدمي حملا.. ماذا أفعل؟! إلى أين أذهب ؟! إلى من التجأ؟! إلى من؟؟
ولم أجد غيرك يا ألهي .. أنت ملجأي وملاذي أخذت أدعو وأصرخ .. يارب بجاه حبيبك .. اشفي حبيبي .. بجاه من أرسلته رحمة للعالمين .. أرسل رحمتك علينا وتلطف به وبنا .......
وكان على بعد خطوات من غرفة العناية الفائقة .. كان يوجد ممر طويل على شكل شرفة مفتوحة تطل على باحة المستشفى .. كنا نجلس فيها مفترشين الأرض .. أنا وشريك الدرب نتشارك ونتقاسم الألم والحزن..... كنت أتوسد صدره .. فتنساب دموعه لتختلط بدموعي فينسابا كسيل جارف .. كنا نتأمل السماء ونبتهل لرب السماء أن يتلطف ويشفي قطعة من قلبينا تتألم .. كانت بين يديه وتحت رحمته..
كنا نترقب بزوغ الفجر .. وطلوع الشمس .. آملين أن تأتي لحظة نسمع فيها خبر يعيد ألينا أمل كدنا أن نفقده ...ومن شدة الإرهاق كانت تغلبني في بعض الأحيان غفوة لثواني وإذا بشي يصرخ بداخلي ليقول عمار.. فأستيقظ مذعورة .. وأقوم مهرولة .. راكضة كأنني أطير من على الأرض حتى أصل إلى ذلك الباب ..
وفجأة .. تتسمر قدماي .. وبعد أن كانتا كطائرين يطيران بجناحين تصبحان فجأة كجليين عاتيين ... لا أستطيع تحريكهم.. أفتح الباب بيدين ترتجفان .. وقلب يخفق ...
فأراه .. ..راقدا .. ساكنا .. مستسلما..
أتأمله ..أقبله .. أحصنه .. أدعو له وبداخلي وبين ضلوعي تلك الصرخة التي كانت ومازالت محبوسة .. ااااااااااااااااااااااااااه يا عمار
وأتساءل ياترى.. هل شعر بوجودي بجانبه .. هل شعر بقربي منه .. وأنا أشاطره الألم ...؟! ياترى هل أحس بذلك..؟!
وبينما أنا على هذه الحال مابين أمل وتأمل وسؤال وتساؤل ..
تأتي طبيبة من ضمن فريق الأطباء اللذين كانوا يتابعون حالته .. تحمل في يديها أوراق وصور لأشعة وتقارير وتحاليل , ...الخ
ونركض ويسبقنا الأمل إليها .. لعل وعسى تحمل خبر يثلج صدورنا من ضمن ماكانت تحمل
.... ولكن للأسف .. تأتي الرياح بما لا تشتهي السفن ..
صوت تلك الطبيبة .. حركة يديها .. رائحة أنفاسها .. لفتاتها وائمائتها .. مازالت أمام عيني .. ولا أعلم تفسير لهذا الأمر .. ربما لأني ركزت فيها كما لم أركز في مخلوق من قبل ..
فلقد كانت الوحيدة .. التي كنت أشعر أن معها كل الأجوبة لكل الأسئلة....
كنت لا أفقه كثيرا مما كانت تقول ؟!! ولكن كان قلبي يترجم لي كل حركاتها وسكناتها .. فشعرت بأن الأمور تزداد سوءا وأن حالة عمار???? لا تتقدم ولكنها تتأخر ..
وبعد حديث طويل وشرح أطول لتلك الطبيبة كان مفاده .. أنهم أكتشفو بعد أجراء آخر أشعة لرأس ??? عمار
أنه يوجد جرح تسبب في وجود ورم . وأن الورم يزداد حجما.. , وأنهم لا يستطيعون أجراء عملية لاستئصال هذا الورم لان حالته لاتسمح بأجراء هذه العملية وأن أي محاولة لأجرائها فيها خطر كبير على حياته ..
أذا ما الحل ؟؟ ألا يوجد حل؟؟ هل عجز الطب أمام حالة أبني ؟؟
أين أنتم ياأطباء العالم؟؟!! أين أجدكم .. أخبروني وأنا على استعداد أن آتي أليكم حبوا ولو كنتم في آخر أصقاع الدنيا... ولكن أين أنتم؟؟؟
ويأتي الرد .. أنه لايوجد حل ؟؟! ولا أمل سوى معجزة تأتي من السماء .. والى أن تأتي هذه المعجزة ..
لايوجد غير الصبر.. أذا ٍ سأصبر حتى يعجز الصبر عن صبري وأصبر حتى يأذن الله في أمري
سأصبر حتى يعلم الصبر أني صابر على أمر.. أمر من الصبر ..
نعم الصبر والانتظار لمعرفة ماستسفر عنه نتيجة العلاج الذي يعطونه له..
وأخبرتنا تلك الطبيبة أنها ستصدر تعليماتها بتخفيف جرعة المخدر الذي كانوا يحقنونه به .. والذي كان السبب في تغيبه عن الوعي .. وذلك ليرو ماذا ستكون ردة الفعل ؟
فتساءلنا عن ردة الفعل المتوقعة لديهم لتجيبنا أنها إحدى أمرين ....
أما أن تستمر الحالة على ماهي عليه والى أجل غير مسمى .. أو .... أو..
وأن كتبت له الحياة .. وأستطاع أن يفتح عينيه .. فستكون مجرد عينان مفتوحتان في رأس به عقل لايستوعب أي شئ مما يدور حوله .. وجسد لايستطيع تحريك أي شيء فيه حتى أصبعه..
خرجت من الغرفة مذهولة , مهزومة , مكسورة .. جلست , بكيت , وتحسرت..
تحسرت على ذلك الفتى الذي كان مفتون بنفسه وكنت مفتونة به .. تحسرت على شبابه وعلى فرحة كانت تملأ عينيه .. تحسرت على أحلامه وأمنياته .. أحلام وأمنيات لطالما حدثني بها ...
شهادة علمية تمناها .. وزوجة وأبناء رسمهم في خياله .. أحلام وأمنيات صغيرة ومتواضعة ..بريئة كشخصه الجميل .. ومرة أخرى .. وأخرى .. لم أجد غير من يحي العظام وهي رميم
ألجأ أليه وأفوض له أمري ..
وقضيت تلك الليلة .. ساجدة أدعوا الله متضرعة أليه بقلب مكسور وبعيون كانت تقطر دما ..
إلى إن بزغ نور الفجر .. وأنا ساجدة وحيده في ذلك الممر الطويل ..........
لملمت نفسي وأحزاني وذهبت أليه أقدم قدم وأأخر الأخرى .. إلى أن وصلت إلى ذلك الباب وفتحته .. نظرت أليه تأملته .. قبلته .. حصنته .. ودعوت له .. وعند خروجي .. وأنا ممسكة بمقبض الباب .. نظرت أليه مرة أخرى .. ولأول مرة منذ قدومي أليه قلت له :
استودعتك الله الذي لاتضيع ودائعه ...
وكأنني كنت أعلم أنها ستكون أخر مرة .. سوف أراه فيها ومازال في قلب ينبض ..
وفعلا كانت تلك آخر مرة أخرج فيها من ذلك الباب ومن تلك الغرفة.. وفي ذلك الممر الطويل.. كانت توجد غرفة على شكل استراحة لزائرين المستشفى .. وصلت لتلك الغرفة بعد جهد جهيد وقد أخذ الإعياء مني كل مأخذ.. فارتميت على الأرض وأغمضت عيني ولا أدري أكنت نائمة؟ أم مغيبة عن الوعي ؟ ولكن الذي أعلمه جيدا أن كل جوارحي ومابداخلي كان يدعو الله ويترقب
ماسيحدث في اللحظات القادمة..
لم أدري كم مر من الوقت ؟؟! ولم أكن أدري مالذي يحدث من حولي .. كنت خائرة القوى .. وجسمي لم يعد يستطيع أن يحملني .. وبينما أنا في حالة من الوعي
واللاوعي .. أذا بصوت باب يفتح مصحوب بصوت حديث مقتضب لم أفهمه ..
فتحت عيني بصعوبة بالغة ونظرت إلى من حولي .. كانت كل الوجوه تتوارى عني وكل العيون تهرب مني .. فعلمت أن حبل الأمل الذي أتشبث به أصبح مجرد خيط رفيع .. سألت بلسان ثقيل
ونفس متعب .. متقطع ..
ماذا يحدث في تلك الغرفة؟! التي لم أعد قادره للوصول أليها وكان لابد من أن يجيبني أحد..وبعد إصرار وإلحاح مني جاءت الاجابه .. اقصد الصدمة..
مخ عمار???? أصبح عاجز؟؟!
غير قادر على أن يرسل أو يستقبل أي أنه شبه متوقف .. أي أنه على حسب معلوماتي المتواضعة .. ميت موت دماغي ..............
يتبع
__________________________________________________ __________
** تكملة**
كانت الكلمات كسهام مسمومة اخترقت قلبي قبل أذني فهويت ..
كنت كجبل زلزلت الأرض من تحته فخر صعقا ..
أو كجمل أخذ الصبر منه كل ما أخذ حتى هوى صريعا ..
وسقطت في بحر من الأحزان تتقاذفني أمواج الأسى والحسرة .. تلطمني موجة أسى فأغوص في قاعه .. لتأتي موجة حسرة فتقذفني إلى سطحه ..
كنت في صراع مع الحياة .. وكان عمار في صراع مع الموت ..
لتنتصر أرادة الله فأحيا .. وتنتصر أرادة الله ويموت ..
كنا في غرفتين منفصلتين لكن أرواحنا تقاسمت الزفرات والسكرات ..
وكيف لا نتقاسمها .. وقد كان في يوم من الأيام .. يسكن أحشائي .. فتقاسما معا كل شئى حتى الهواء.
ووصلت لمرحلة أصبح فيها عقلي عاجز عن التفكير في أي شئ سوى عمار
ونسيت كل شئ ..
فلم أعد أذكر في الوجوه غير وجه عمار
ولم أعد أذكر في الأسماء و الحروف الأبجدية سوى حروف أسم ع م ا ر
وبين وعي ولا وعي .. و بين غفوة وصحوة .. كان الوقت يمر..
إلى أن جاءت لحظة.. أفقت فيها من غيبوبتي .. ففتحت عيني بجفون ثقيلة كأنها الجبال ...
نظرت حولي ولأول مرة لم أجد أي أحد بقربي ....
فدب في أوصالي خوف رهيب .. لم أشعر به أبدا في حياتي ..
كان خوف ووحدة وألم وحزن وغربة
وكون أنني وحيدة ولا يوجد أحد بقربي فمعنى هذا ؟!!
أن الجميع هناك .. في الجانب الآخر من المستشفى .. بالقرب من تلك الغرفة .
أي أن الخطب يعظم .. وأن حالة عمار تزداد سوءا
ومن شدة ما استبدا بي الخوف والرعب .. لا ادري مالذي حدث بي ربما عدت مرة أخرى للاوعي..
ولكني مالبثت - ولا أدري كم مر من الوقت- حتى أفقت مرة أخرى (وياليتني لم أفق) ؟؟!!
فلقد وجدت أسوء خبر في انتظاري
نظرت حولي سألت .. ع م ا ر
ليأتي الخبر عمار ..........؟!؟!
ماذا أكتب ؟! وكيف سأعبر؟؟!
أين سأجد كلمات تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة؟
يتوقف القلم......
أعود فأستجمع قوتي مرة أخرى .. محاولة أن أحرك القلم الذي تسمر بين أصابعي..
ولكن ماذا اكتب
هل توجد في قاموس اللغة العربية كلمات يمكنها أن تعبر عما شعرت به في تلك اللحظة.. لا أظن
ومن هول الصدمة.. شعرت أن كل شئ في الكون توقف
عقلي ..... قلبي ....... أيام عمري .. حتى الأرض توقفت عن الدوران؟!
وأيقظتني تلك الصرخة بداخلي
قمت .. انتفضت وكأني طائر جريح .. يبحث عن صغيره .. الذي يريد الموت أن ينتزعه منه انتزاعا...
ركضت .. لا أعلم أين أذهب ؟! والى أين أتجه ؟!
كنت تائهة .. ضائعة
عجز قلبي وعقلي عن الأسيعاب ولم أتقبل فكرة أن عمار لم يعد على قيد الحياة وأنه قد ...............
وسيطرت علي فكرة أنه في مكان ما .. يترقبني ... ينتظرني ... ينادي علي ...
أمي .. تعالي.. أقبلي .. أحتاج أليك..
ضميني إلى صدرك .. أعيديني إلى بطنك .. الموت يطلبني .. لا تتركيه يأخذني ... أنا خائف ..؟!
ولكن...
بني .. من يستطيع أن يقف أمام الموت ويمنعه ... من ؟؟؟
لو كان لي من الأمر شئ .. لفديتك بروحي ودمي ..
ولكن ما أنا وأنت ؟ ألا مخلوقات ضعيفة أمام قدرة الخالق العظيم .. سبحانه ..
كان كل شئ أكبر من قوة احتمالي ...
فتهاويت كورقة شجر في فصل الخريف ..
واستسلمت للقدر ولواقعي المرير ...
وهاهو عمار لم يعد له في دنيا البشر ألا دقائق معدودة
وكان لابد أن ألملم أشلائي المبعثرة ... وأستجمع كل قوتي حتى أستطيع أن أصل أليه ..
وأنظر أليه النظرة الأخيرة .. وأودعه الوداع الأخير .......
ويا لقساوة الحروف ويا لبشاعة الكلمات ..
وها أنا مسندة أنقل من مكان إلى مكان .. ومن ممر إلى أخر .. ومع كل خطوة .. ذكرى ... ومع كل ذكرى حسرة
امشي وأنا خائرة القوى .. مذبوحة الروح .. مكسورة الوجدان .. أتذكر يوم مولدك...
يوم أتيت إلى هذه الحياة
وقد كنت .. مولودا صغيرا .. بريئا .. باكيا .. عاريا ..
ألبسوك قطعا من قماش أبيض وحملوك ألي ..كي أراك ... وأقبلك .. وأستقبلك..
كان هناك أمل , فرح , زغاريد , فقد كانت حياة تبتدئ
واليوم.....
ها أنت ترحل من هذه الحياة
وقد أصبحت شابا .. يافعا فتيا ... وعاريا ؟؟
.. ألا من أكفان بيضاء ألبسوها لك..
وهاهم .. يحملوني أليك .. لكي أراك .. وأقبلك .. وأودعك
وهنا اليوم ..
يأس , حزن , بكاء ودموع .. وحياة تنتهي ..
وكان المشهد المريع ...
غرفة تفوح من أرجائها رائحة الموت... ولكن أين هو....؟؟!
هناك .. مسجيا .. مكفنا .. مستسلما .. جسد بلا روح
وأيضا .. وأيضا .. يقف القلم ويتسمر ..؟!
ماذا سيكتب و عن ماذا سيعبر؟؟!
فأنا أتحدى كتاب وأدباء العالم .. أن يعبروا ..أو أن يصفو.. المشهد وقسا وة المشهد
أخذته بين ذراعي .. ضممته إلى صدري
ولأول مرة لم يلفني بذراعيه .. ولم يقبل رأسي كما كان يفعل ..
ولأول مره أضمه ولا أسمع دقات قلبه..
ولأول مرة أضمه ولا أشم رائحة أنفاسه ..
أهذا آخر عناق يجمعنا . يا عمار..
أهذا آخر لقاء وآخر وداع ............ آآآآآآآآآآآآآآآآآآآآآه ثم آآآآآآآه ثم آآآآه يا عمار
أذا...
فلتلبس الدنيا ثوب الحداد ..
وليبكي الطير ويدمع الحجر..
فبعدك ...
ذبلت الزهور .. وانطفأت الشموع .. فلقد غاب القمــــــــــــــــــــــــــــــــــــر...
كانت البداية هناك مع المطر ..
وهذه النهاية هنا أيضا مع المطر ..
هاهي الغيوم تجمعت لابسة السواد .. احتضنت بعضها بعضا وذرفت الدموع....
وهذا صوت الرعد يصرخ وينتحب .. كانت السماء تبكي عمار.........
وأنا .. اليوم .. أودعك .. وأودع معك أحلام جميلة كم تمنيت أن تصبح حقيقة ..
هذا حلم ..
أراك فيه تقف بين زملائك وكأنك الفارس المنتصر مرتديا ذلك الزى الأسود .. تحمل في أحدى يديك شهادة علمية .. وبيدك الأخرى تلوح لي ..
وانا انظر إليك .. مبتهجة .. سعيدة .. أذرف دموع الفرح ..
وهذا حلم آخر..
حلم وأي حلم ..حلم كل أم مثلي ..
أنها ليلة عرسك .. أراك فيها .. تتراقص بين أهلك ومحبيك وكأنك البدر في ليلة تمامه ..
ممسكا بيد عروسك .. وبيدك الأخرى تلوح لي .. وانا انظر إليك .. سعيدة .. مبتهجة أطلق زغاريد الفرح ..
ولكن للأسف ضاع الحلم الجميل..
وبدلا من أن أراهم يحملونك فوق أكتافهم عريسا يزفونك إلى عروسك..
أراهم اليوم يحملونك فوق أكتافهم جثمانا يشيعونك إلى مثواك الأخير وأنا أنظر إليك ...
.. مفجوعة ... ملتاعة .. مكلومة ..
أذرف دموع الحزن والأسى ..
ويعجز القلم عن الاستمرار ..
وانا الآن وبعد مرور أيام طوال على رحيلك .. مازلت أتجرع كأس المرارة والحسرة انظر حولي فأرى طيفك في كل زاوية وركن من أركان بيتنا الصغير .. البيت الذي شهد مراحل عمرك القصير ..
هذا سريرك أصبح خاليا ألا من بقايا رائحة عطر في وسادتك ..
وهذه خزانة ملابسك .. أصبحت فارغة ألا من كلمات خطيتها بيدك للذكرى وكأنك كنت تعلم انك سترحل وستبقى هي..
هذا مصباح أنت من أنرته ..
وهنا كسر أنت أصلحته .. وعلى هذا الجدار كانت توجد صورة ضمت أفراد عائلتنا الصغيرة في لحظة من لحظات السعادة الراحلة ..
لم تعد الصورة في مكانها .. لم تعد مكتملة كما كانت .. لقد أصبحت ناقصة برحيلك .. وأصبح الجدار خاليا..
أشياؤك في كل مكان ..
هذا قلمك وهذه دفاترك
وهذا عطرك وهذه ساعتك
وهذه أمك تودعك ............
يتبع
__________________________________________________ __________
***تكملة***
فسلاما لك من رحم ضمك جنينا في أحشائه ..
وسلام لك من صدر أرضعك محبة وحنانا من قبل أن يرضعك غذاء ..
وسلام لك من عين لاحظتك وأنت تكبر وتترعرع حتى أصبحت رجلا .. فأصبحت تخاف عليك منها ؟!
وسلام لك من كل خلية في جسد ضمك إليه إلى كل حبة تراب ستضم جسدك الطاهر
وسلام لك من قلب كان وجودك له فرحه وأصبح فراقك عنه حسرة
سلام لك وعليك .. يامن كنت كغمامة بيضاء مليئة بالرحمة
وسلام لك وعليك يامن كنت كغصن زيتون أخضر..
سلام لك وعليك يامن كنت ككوكب يشع نورا وضياءا ..
وسلام لك وعليك يامن كنت فارس أحلام العذارى..
ياشبهي وشبابي ..
ويا فرحة سنيني وأيامي ...
رحلت يا عمار ..
رحلت .. وفراقك أدمى قلوبنا .. ولا أستطيع أن أقول اليوم ألا كما قال
رسولنا الكريم:
( القلب يحزن .. والعين تدمع .. وانا لفراقك يا عمار لمحزونون )
رحلت عن دنيانا .... ولكن عزائي الوحيد ..أنك في جوار ربك... عند ملك الملوك .. عند خالقك الكريم .. الرحيم .. عند من هو أحن عليك مني سبحانه ......
فارقد .. قرير العين ..مطمئن النفس..
فأمك راضية عنك تمام الرضا .. تدعو لك ليل .. نهار
مع كل أشراقة شمس .. ومع كل غروب ..
أن يجعلك الله من أصحاب اليمين , تنعم في جنات النعيم
في سدر مخضود , وطلح منضود , وظل ممدود , وماء مسكوب , وفاكهة كثيرة لا مقطوعة ولا ممنوعة ..........
وأن يجمعني الله بك في مستقر رحمته
فإلى لقاء قريب
لقاء ليس بعده فراق
يامن كنت تملك فلبا كقلب عصفـــــــــــــــــــــــــــور
أمك التي تفتقدك كثــــــــــــــــــــــــــيرا
انتهت الرواية وهي واقعية ارجوا انها تنال اعجابكن
__________________________________________________ __________
__________________________________________________ __________