عنوان الموضوع : غيابات الصحراء روايات
مقدم من طرف منتديات نساء الجزائر
غيابات الصحراء ( رواية كاملة )
هذه القصة من تأليفي ، تحكي مغامرة في قلب الصحراء المغربية ، يخوضها شاب تم تعيينه حديثا في سلك التعليم ، فيواجه في البداية متاعب مرعبة مع منزله الجديد ، ثم يخترق عباب الفيافي المقفرة
باحثا عن عالم سعودي مختفي خلف المجهول.
غيابات الصحراء
1/ليلة الفزع
كانت الساعة تشير الى الرابعة زوالا عندما وصل سمير الراجي الى مدينة / الكويرة / المتواجدة أقصى جنوب المملكة المغربية ، و كانت الحرارة جد مرتفعة حيث تشتد الشمس لهيبا فوق المنطقة الصحراوية .
وقف سمير الراجي قرب الشارع ينتظر مرور احدى سيارات الأجرة الصغيرة ، و لم ينتظر طويلا اذ سرعان ما توقفت احداها بقربه ليدلف الى داخلها مسرعا هربا من أشعة الشمس الملتهبة .
-- الى حي الوحدة من فضلك . قال سمير الراجي موجها حديثه الى السائق.
-- ان شاء الله يا أخي و على بركة الله. رد عليه السائق و هو يدير عجلة القيادة.
استلقى سمير على المقعد و هو يفكر مليا في الظروف التي جعلته يقوم بهذه الرحلة الطويلة
من مدينة الدار البيضاء الساحلية بوسط المغرب الى مدينة / الكويرة / بأقصى الجنوب المغربي حيث اجتاز بنجاح مباراة الولوج الى سلك المعلمين و هي المهنة التي لطالما حلم بها منذ نعومة أظفاره ، حيث كان حلمه الوحيد هو أن يكون مربيا للأجيال يلقنهم المبادئ و القيم النبيلة فتكون له رسالة يؤديها لبلده و أمته ، و ها هي أحلامه تقترب من تحقيقها برغم البداية الصعبة التي اعترضته منذ الوهلة الأولى و ذلك من خلال تعيين مكان عمله بمدينة / الكويرة / و التي تتعدى الحرارة بها الأربعين درجة و قد تصل أحيانا الى حدود الخمسين في فصل الصيف ، لكنه سرعان ما كان يصبر نفسه واعدا اياها بالتأقلم مع الأجواء الجديدة حيث أن الزمن كفيل بانجاز ذلك ، حيث سيلهيه تحقيق حلمه عن كل العقبات والصعاب التي يواجهها في رحلة حياته.
-- لقد و صلنا الى حي الوحدة يا أخي . قال السائق باترا حبل أفكاره.
-- حسنا ، سوف أنزل هنا. قالها سمير ناقدا اياه ثمن الركوب.
ثم لم يلبث أن نزل من السيارة متجها الى أقرب هاتف عمومي ليجري اتصاله مع ابن أخيه
أحمد القاطن بالحي من أجل اخباره بوصوله و لم تمر دقائق معدودة حتى كان سمير بمنزل أحمد يرشف أولى كؤوس الشاي الصحراوي و قد أخذ منه الجهد مأخذه ، ثم استأذن من الأسرة المضيفة من أجل اخذ قسط من الراحة و الاستغراق في نوم عميق بعد ساعات طوال
من السفر عبر الحافلة.
في صباح اليوم الموالي استيقظ سمير متأخرا بعض الشيء ، حيث بادره أحمد مبتسما:
-- صباح الخير يا عمي كيف أمضيت ليلتك؟
-- في خير حال يا ابن أخي و شكرا على الاستضافة.
-- لا تشكرني على الواجب ياعمي فأنت في بيتك.
ثم توجه الاثنان الى قاعة الضيافة ليتناولا وجبة الافطار رفقة الزوجة و ابنتها
التي لا يتجاوز عمرها سنة واحدة و نصف.
-- أريد أن أذهب الى نيابة التعليم لكي أعرف اسم و مكان المدرسة التي سأعمل بها. قال سمير.
-- سوف أرافقك يا عمي ، انها ليست بعيدة كثيرا من هنا.
و لم يمر وقت طويل حتى كان سمير بداخل نيابة التعليم ، حيث استفسر عن جميع الأمور
التي تهمه وعاد بعد ذلك الى بيت أحمد ، و على مائدة الغذاء سأل سمير:
-- لا أدري حقا كيف ستكون الأمور مع هذه الحرارة المفرطة ؟
-- سوف يكون كل شيء على أحسن ما يرام ، و لو شئت لأقمت في منزلي فأنت لست غريبا عن الأسرة.
-- أشكرك كثيرا ، لكنهم أخبروني في النيابة بأنهم سوف يوفرون لي سكنا لائقا بجوار المدرسة التي سأعمل بها و بأنني سأبدأ العمل بعد عشرة أيام.
-- كما تحب يا عمي.
و بعد مرور يومين توجه سمير الى شقته المتواجدة قرب مدرسة الأنوار، مكان عمله الجديد،
حيث ما لبث أن تناول وجبة عشاء اشتراها جاهزة من السوق ، ثم استلقى
على السرير و كل خلية من جسده تصرخ مطالبة اياه بالراحة و لا شيء غير الراحة ،
فاستجاب للنداء و استسلم لنوم عميق .
و في منتصف الليل سمعها.
انها صرخة عميقة ، نداء ، شيء تردد في أذنيه و أطار النوم من عينيه ، و جعله يصحو مفزوعا و قطرات العرق تتصبب فوق جبينه.
-- انه حتما كابوس مرعب ، لا يمكن أن أسمع مثل هذا الصوت في الواقع. قالها سمير محدثا نفسه ، ثم استلقى مرة أخرى فوق السرير طالبا الراحة و النوم ، لكنه سرعان ما سمعها مرة
أخرى ، لكن هذه المرة قوية وواضحة ، صرخة رهيبة عميقة و كأنها خارجة من الجحيم.
هب سمير من فراشه مرعوبا و ذهب يتلمس مصدر الصوت ، لازال يسمع أنينا و صراخا
بصوت لم يسمع مثيلا له من قبل ، صوت غير بشري ، صوت ليس له اية علاقة بالبشر
على الاطلاق.
أرهف سمعه جيدا ثم أسرع الخطى متتبعا أثر الأنين و اذا به يتوقف أمام المرحاض مباشرة ،
لقد وجد مصدر الصوت ، تردد كثيرا قبل أن يفتح بابه ليجد مشهدا سيظل منحوتا في ذاكرته أبد الدهر، هذا ان بقي لحياته وجود بعدما رآه ، طفل صغير مكسور العنق ممدد فوق
الأرض و الدم يتدفق غزيرا كالنافورة من عينيه و أذنيه و فمه ، و كان الطفل يصرخ ، أنين
ممزوج بحشرجة مخيفة ، حشرجة الموت.
>>>>> ردود الأعضـــــــــــــــــــاء على الموضوع <<<<<
==================================
2/بحر الغموض
في اليوم الموالي التقى سمير زميله/ ياسر/ ، و الذي تعرف اليه حديثا خلال تواجده بنيابة التعليم ، و حكى له ما جرى ليلة البارحة بالشقة الممنوحة له ، حيث رأى مشهدا بشعا ثم هرع مرعوبا و أغلق غرفة النوم عليه و ظل يسمع الأنين
و الصراخ الجهنمي الى غاية بزوغ أنوار الفجر الأولى ، حينئذ فقط توقفت الملحمة
الابليسية ، فقام لصلاة الفجر ، ثم غفا قليلا قبل أن يوقظه المنبه معلنا بدء يوم جديد من العمل.
قال ياسر:-- هذه أشياء لا يمكن السكوت عنها اطلاقا ، فلو كان ما شاهدته حقيقيا و ليس محض خيال
و أوهام فسيعني هذا حتما أمرا بالغ الخطورة ، و من المحتمل أن يلحق بك بالغ الأذى ان لم
نجد له حلا في أقرب وقت.
قال سمير:-- فعلا يا أخي ، فحتى لو لم يسبب هذا الأمر أذى جسديا و ماديا ، فقد أثر في نفسي أثرا
بليغا ، و قد يفقدني صوابي اذا ما استمر الحال على نفس الوتيرة طويلا.
قال ياسر-- سوف أعرفك لو شئت بأحد الخبراء بالروحانيات و العلوم الباطنية و الذي يقيم قريبا
من هنا ، حيث جاء من مدينة مراكش لدراسة بعض الظواهر الخارقة التي تحدث فقط في المناطق الصحراوية مثل الانتقال الفجائي و التواجد بغتة في قلب الصحراء من دون سابق
انذار ، حيث حدثني البروفيسور نادر الأندلسي عن مجموعة من الحوادث التي وقعت لافراد
وجدوا أنفسهم تائهين في غياهب الصحراء بعدما كانوا وسط أهاليهم يعيشون حياة عادية.
-- ربما نجد عنده بعض الأجوبة عن ظاهرتنا الغريبة ، سأكون ممتنا لو عرفتني به فلدي
الكثير مما أود أن أحدثه به.
و بعد تناول و جبة الغذاء توجه سمير و ياسر صوب الفندق الذي يقيم فيه البروفيسور ناذر الأندلسي
الذي استقبلهم بحفاوة بالغة قبل أن يخبره /سمير/ بتفاصيل الأحداث التي عاشها ، فابتسم
نادر ابتسامة خفيفة اندهش لها الضيفان ، ثم قال:
-- ان أبسط شيء يمكن أن يتعرض له الانسان هو التهيؤات و الوساوس الشيطانية ، لأنه
كما قال الله عز و جل:/ ان كيد الشيطان كان ضعيفا / ، واضح جدا بأن البيت الذي تقطنه
مسكون بالشياطين ، و يكفي أن تملأ اناء كبيرا بالماء ثم تتلو فيه الرقية الشرعية ، و هي
عبارة عن مجموعة من الآيات القرآنية المنتقاة بعناية من كتاب الله تعالى، ثم تقوم برش الماء
بمختلف زوايا البيت ، فيصبح المكان طاهرا مطهرا من كل ابليس و شيطان لعين ، و حبذا
لو قمت بتكرار العملية مرات متعددة لضمان الفائدة بمشيئة الرحمان ، و سوف أمنحك الرقية
الشرعية مكتوبة و مسموعة لتعميم الفائدة .
فقال /سمير/:-- أشكرك جزيل الشكر يا بروفيسور ، فهذا الأمر قد سبب لي قلقا نفسيا رهيبا. فرد البروفيسور:-- لا تشكرني يا أخي فمن دواعي سروري تقديم العون و المساعدة لكل من يطلبها ، أما بالنسبة لما تعرضت له فخطره لا يرتقي أبدا لما أنا بصدد الكشف عن أسراره في هذه المنطقة الصحراوية ، فقد تعرض أحد العلماء الجيولوجيين للاختفاء في صحراء الربع الخالي بالمملكة العربية السعودية عندما كان يقوم ببعض الأبحاث عن الطبيعة الجغرافية للمنطقة و انقطعت أخباره ، فقام أهله بابلاغ السلطات عن الواقعة كما باشروا بحثهم الخاص و الذي أدى بهم الى الاعتقاد بامكانية ظهوره هنا بمدينة / الكويرة / ، حيث تم اخبارهم بمجموعة من الحوادث المماثلة لأشخاص فقدوا ثم تم العثور على جثثهم قرب مدينة / الكويرة / جنوب
المغرب و هي حوادث لم يتم الوثوق من صحة و قوعها ، حيث تم الاتصال بي من أحد اقارب الدكتور /سليم/ العالم المفقود و طلب مني البحث في هذه القضية باعتباري متخصصا في الروحانيات
و العلوم الباطنية ، فجئت الى هنا منذ حوالي أسبوع تقريبا و لم أتوصل الى حد الآن الى أية نتيجة فقررت أن أقوم بجولة في قلب الصحراء لعلي أتمكن من الامساك و لو بخيط رفيع
أتلمس به طريق الحقيقة و اجلاء الغموض عن هذه القضية.
فقال سمير:-- هل يمكن أن أرافقك في رحلتك يا بروفيسور فأنا من الشغوفين جدا بالقضايا الغامضة و الخارقة لقوانين الطبيعة و لم تتسنى لي الفرصة لعيش مثل هذه التجربة من قبل؟
-- ألم يكفك ما شاهدته ليلة البارحة ؟ ان كنت تحب مرافقتي فلا مانع لدي سوى أنه من الواجب علي اخبارك بأن كل الاحتمالات واردة في هذه الرحلة بما في ذلك عدم التمكن من العودة الى الديار على الاطلاق. قال نادر محذرا.
فرد سمير بحزم واثق:-- سوف أتحمل النتائج كيفما كان نوعها.
و قال /ياسر/:-- و أنا أيضا أريد مرافقتكما ، فلا يمكنني اضاعة مثل هذه الفرصة النادرة التي يمكن ألا تتكرر في حياة المرء مرتين.
فقال البروفيسور:-- لقد حذرتكما و لايمكنني منعكما من مرافقتي ، فعلى الرحب و السعة
و موعدنا غدا على الساعة السادسة صباحا عند باب الفندق.
__________________________________________________ __________
3/ غياهب الصحراء
في المساء عاد سمير الى بيته عازما على تنفيذ توصيات البروفيسور نادر ، حيث قام بجميع ما يلزم ثم توجه الى غرفة نومه و استغرق في سبات عميق لم يستفق منه الا على صوت المنبه الذي أيقظه على الساعة الخامسة صباحا ، حيث قام و صلى الفجر ثم أعد افطارا
سريعا و غادر المنزل ، و لم تمض سوى دقائق معدودة حتى التقى ب/ياسر/و بالبروفيسور نادر ، تبادل معهما تحية سريعة قبل أن يقول البروفيسور بلهجة حازمة:
-- هل أنتما واثقان من صحة القرار الذي اتخذتماه؟
-- أجاب/ ياسر/: كل الثقة يا بروفيسور.
-- في حين رد/ سمير/ بثبات: هذا قراري الأخير أنا أيضا.
فقال البروفيسور: فلننطلق على بركة الله.
ثم ركب الثلاثة سيارة رباعية الدفع يسوقها البروفيسور بمهارة مدهشة وسط الرمال الذهبية
و المسالك الوعرة في قلب الصحراء المغربية.
أخذت السيارة تمخر عباب الصحراء متجاوزة الكثبان الرملية الضخمة و الرمال تتطاير على جانبيها في غزارة ، و الرفاق الثلاثة يتصببون بالرحضاء من شدة الحرارة ، عرق غزير ينهمر عبر مسام أجسادهم الملتهبة ،و بين الفينة و الأخرى يقوم البروفيسور باخراج قنينة ماء باردة من ثلاجة محمولة صغيرة و ضعها داخل السيارة ، فيرتوي كل منهم ببعض القطرات
خشية نفاذ المخزون الذي بحوزتهم من الماء ، مما خفف شيئا من معاناتهم مع الطقس الحار .
يوم كامل أمضوه في اختراق مجاهل الصحراء لا يتوقفون الا من أجل الأكل أو من أجل تمكين السائق من أخذ قسط من الراحة ، حتى أرخى الليل سدوله على بحر الكثبان الرملية
الممتد الى ما لا نهاية ، و كان الجمع قد أقام خيمة متوسطة الحجم بأحد الأماكن المنبسطة
بعدما أخذ الرفاق قرارهم بقضاء ليلتهم هناك مخافة مواصلة المسير في جنح الليل البهيم
و في منطقة يجهلون عنها كل شيء و لا يعرفون عنها أي شيء ، خصوصا مع رفض
جميع المرشدين مرافقتهم في رحلتهم ، فما أن يتم اخبارهم عن الاتجاه الراغبين سلكه
حتى يكون الجواب هو الرفض التام و بعد أن يتم نعتهم تارة بالحمقى و المجانين و تارة أخرى بالأموات لا محالة.
بعد تناول وجبة العشاء داخل الخيمة ، أخذ كل واحد موضعه في أحد الأركان استعدادا للنوم
بعد يوم كامل من الجهد الجهيد تحت أشعة الشمس الحارة ، فقال البروفيسور:
-- من خلال اتجاه البوصلة وموقع الخريطة التي بحوزتي فحتما ستطأ أقدامنا احدى الواحات المتفرقة في أرجاء الصحراء و ذلك في غضون يوم آخر من المسير في نفس الاتجاه.
فرد عليه سمير بصوت حزين:-- و هل ينتظرنا يوم آخر من الجهد في أتون الحر و العطش؟
فقال /ياسر/: ليس أمامنا خيار آخر يا أخي ، لقد قطعنا نصف الطريق و لا يسعنا سوى
المضي قدما الى نهاية الخط.
فقال البروفيسور: و لا نعلم حقا كيف و متى ستكون نهاية الخط هذه ، سوف ننام الآن
و للحديث بقية غدا ان شاء الله.
ثم استسلم الجميع لنوم عميق ناشدين الراحة و السكينة الى أن دوت الصيحة الرهيبة ، صرخة
عالية تردد صداها مدويا في أرجاء المكان كاسرا سكون الليل و هدوءه ، فهب البروفيسور مفزوعا و هويقول مشغلا أحد المصابيح اليدوية القوية: -- ماذا حدث ، هل حدث مكروه لأحدكما؟
فرد سمير بصوت مرتجف: أنا بخير ، لكن / ياسر / هو من قام بالصراخ ، يبدو أن شيئا ما قد أصابه.
و ما ان تمكن البروفيسور من اضاءة المكان بمصباحه اليدوي حتى تملكت الجميع دهشة عارمة ممزوجة برعب هائل ، فقد انتشرت داخل الخيمة مجموعة كبيرة من العقارب الضخمة السوداء و كان/ ياسر/ يتلوى من الألم داخل سريره ممسكا بساقه اليسرى و هو يقول: لقد لذغتني احداها ، اني احس بالبرودة تجتاح ساقي شيئا فشيئا و السم ينتشر بسرعة.
قام البروفيسور باضرام النار في احدى الجرائد التي كانت بحوزته ثم قرب كثلة النيران من العقارب التي ابتعدت هاربة الى خارج الخيمة في حين أمسك/ سمير/ ساق / ياسر/ و أخذ
يمص السم بفمه من الساق المصابة ثم يمجه في اناء صغير حتى امتلأ بالدم ، ثم وضع رباطا
أوثقه باحكام فوق موضع اللذغة لكيلا ينتشر السم في باقي أعضاء الجسم ، فيما بقي / ياسر / يأن تحت وطأة الألم و قد أخذته الرحضاء يسيل بسببها العرق من جبينه كينبوع متدفق.
لم يستطع أحد من الثلاثة مغادرة الخيمة طيلة الليل ، حيث بقي /ياسر/ ممددا فوق سريره ،في حين تبادل البروفيسور و /سمير/ نوبات الحراسة كل ساعتين ، يقوم أحدهما خلالهما بالنوم فيما يظل الآخر موجها المصباح اليدوي شديد الانارة الى باب الخيمة المغلق.
__________________________________________________ __________
4/ أنياب الرمال:
و مع بزوع أنوار الفجر الأولى أخذ الركب يستعد للمسير مرة أخرى منطلقا الى أقاصي الصحراء ، عاقدين العزم على الاسراع من أجل انقاذ المصاب و الذي هو في أمس الحاجة الى تلقي العلاج في أسرع وقت ، و أخذت السيارة تمضي في الرمضاء تطوي الأرض
طيا حتى غاصت العجلتان الخلفيتان في أحد الكثبان الرملية الضخمة و أخذتا تدوران بسرعة
كبيرة دون أن تتحرك السيارة مصدرتان أصواتا مزعجة و محدثتان غبارا هائلا و سط الرمال ، فأوقف البروفيسور المحرك ثم نزل من السيارة برفقة سمير و حاولا اخراج العجلتين من قلب الرمال بكل ما اوتيا من قوة ، و ما ان تمكنا من ذلك حتى برزت عليهما
الحية ذات الزبيبتين و كأنها نبتت من وسط الرمال ، حية ضخمة لها قرنان صغيران و الزبيب يسيل من شدقيها ، و كانت تتجه نحوهما مباشرة ، فقام البروفيسور باشعال النار بأحد الأوراق المتواجدة بجيبه ثم لوح بها في وجه الحية التي تراجعت قليلا قبل أن تعاود
محاولاتها الدؤوبة للهجوم مرة أخرى ، في حين استغل الاثنان تراجعها المؤقت ليدلفا الى
داخل السيارة ثم يغلقا الباب وراءهما في احكام و ينطلقا مرة أخرى وسط الصحراء.
يوم آخر قضاه الرفاق وسط المفازة النائية حتى خيم الليل وسط أرجاء المكان ، فقرروا امضاء ليلتهم الثانية باحد الأماكن المنبسطة وسط ارهاق شديد ، حيث اقاموا خيمتهم ،
و اتخذ كل واحد منهم موضعه داخل سريره باحد الأركان ، و قال البروفيسور:
--يبدو أننا قد تهنا وسط الصحراء يا رفاق ، فحسب اتجاه البوصلة و موقع الخريطة
يجب أن نكون قد بلغنا أول واحة متواجدة في منطقة الواحات المذكورة في الخريطة ،
و ها نحن أولاء تائهون في الفيافي لا نلوي على شيء.
فرد سمير:ان حالة / ياسر / تزداد سوءا و عليه تلقي العلاجات الضرورية في أسرع وقت ممكن و الا فقدناه الى الأبد ، فلا يمكننا ابقاء ساقه مربوطة الى وقت أطول ، كما أن القليل
من السم قد تسرب الى جسمه بالفعل و الأدوية التي منحناه اياها لن يدوم مفعولها الا بشكل مؤقت و محدود.
فقال / ياسر/ بصوت عليل: فعلا لقد بدأت أشعر و كأن جسمي ينهار شيئا فشيئا و حالة من الدوار تكتنف دماغي و تؤثر على مداركي.
حينئذ قام /سمير/ متوجها نحو باب الخيمة ، فبادره البروفيسور قائلا:
-- الى اين أنت ذاهب يا /سمير/ ، لقد خيم الظلام و المنطقة مجهولة و خطرة.
فرد /سمير/: لن أبتعد كثيرا ، سأذهب الى الخلاء و أعود على الفور ، ثم خرج من الخيمة حاملا مصباحه اليدوي ، و لم يكد يبتعد عنها بأكثر من عشرة أمتار حتى أحس بالرمال تتحرك و بقدميه تغوصان فيها شيئا فشيئا ، فحاول انتشالهما بقوة و العودة من حيث جاء
لكن قدميه أخذتا في الغوص أكثر فاكثر حتى بلغت الرمال بطنه ، فحاول جاهدا الخروج من هذا المأزق الخطير مستعملا يديه و رجليه معا لكن بدون جدوى ، فجسده ما زال يغوص في
أعماق الرمال حتى الصدر ، حينئذ فقط لم يجد بدا من الصراخ مستنجدا برفاقه:-- النجدة يا نادر ، انقذني بسرعة أرجوك ، الغوث الغوث.
و ما ان سمع البروفيسور نداء / سمير/ حتى خرج مسرعا من الخيمة حاملا في يده مصباحه القوي متتبعا مصدر الصوت ، حيث شاهد صاحبه غائصا في أعماق الرمال حتى الصدر فصاح به في قوة: اهدأ يا / سمير/ و لا تتحرك أبدا ، فان حركتك تسرع من وثيرة ابتلاعك من قبل الرمال ، أوقف حركتك تماما و سأذهب لاحضار المساعدة فورا.
ثم غاب مسرعا وسط الظلام و ما لبث أن عاد حاملا حبلا قويا أخرجه من الصندوق الخلفي
للسيارة و ألقاه الى / ياسر / تاركا مسافة قليلة بينهما خشية ابتلاعه هو أيضا من قبل الرمال
المتحركة ، فأمسك / سمير/ بالحبل بكلتا يديه و قام البروفيسور بمحاولة اخراجه لكن بدون
جدوى فقد أخذت الرمال تبتلعه مرة أخرى و بدأ يظهر جليا بأنها أقوى منه في معركة شد
الحبل ، غير أن البروفيسور سرعان ما أحس بثقل الحبل يخف قليلا مع صوت / ياسر/ من خلفه : -- لم يكن لأترككم تواجهون مصيركم لوحدكم يا رفاق حتى لو أدى ذلك الى مهلكي.
و أخذ يجذب الحبل بكل ما تبقى في جسده العليل من قوة مما جعل جسم /سمير/ يبرز شيئا
فشيئا وسط الرمال حتى ظهر بأكمله ، فاستلقى الرفاق الثلاثة على ظهورهم يلهثون من فرط الجهد المضني و سط الرمال الممتدة الى ما لا نهاية في عمق الصحراء و وسط الظلام
الدامس الذي لا يكسره سوى مصباح البروفيسور .
__________________________________________________ __________
4/غيابة الصحراء:
في صباح اليوم الثالث توجه الرفاق مرة أخرى صوب اتجاه الواحات حسب احداثيات الخريطة التي يتوفرون عليها ، و ماهي الا ساعات معدودة حتى تبدت امامهم بحيرة كبيرة
تموج بالماء موجا ، فقال سمير:
و أخيرا بلغنا منطقة الواحات ، يبدو أن رحلتنا على وشك النهاية.
فقال البروفيسور و هو يزيد من سرعة السيارة:
--لا تفرط كثيرا في الأمل فنحن لم نعرف بعد أي خبر عن الدكتور / سليم / العالم السعودي
المفقود و لسنا متأكدين حتى من تواجده بالمنطقة.
و لم تكد السيارة تبلغ منطقة البحيرة حتى أصيب ركابها بالدهشة العارمة و بالاستغراب
الشديد ، فلم يكن هناك لا ماء و لا بحيرة و لا أي أثر لحياة نباتية أو حيوانية على الاطلاق ،
مجرد رمال في رمال و صحراء جرداء ممتدة في الأفق البعيد كأنها محيط مترامي الأطراف لا شاطئ له.
فأصاب الجمع وجوم تام و احباط كبير قبل أن يقول / ياسر/ بصوت ضعيف:
-- انه مجرد سراب يا رفاق ، انه سراب الصحراء و هو وهم يتراءى للمسافرين عبر دروب
الفيافي الملتهبة نتيجة الحرارة الشديدة و الهواء الساخن ، لا عليكم أيها الاخوة ، سنواصل مسيرنا و الله هو الموفق ، سنتوكل عليه و لن يخيب ظننا فيه.
واصلت السيارة مسيرها عبر دروب الكثبان الرملية الضخمة حتى تراءت أولى أشجار النخيل
الخضراء الزاهية معلنة بلوغ منطقة الواحات ، فتهللت أسارير الجميع غبطة و سرورا بحصولهم على أولى أطواق النجاة التي تنقذهم من الغرق في بحر الصحراء العميق و المليء
بالأخطار و الأهوال.
و ما هي الا دقائق معدودة حتى وجدوا أنفسهم في حضرة الشيخ /راشد/ شيخ القبيلة الذي
استقبلهم بحفاوة بالغة و بكرم صحراوي مغربي أصيل خفف عنهم كثيرا عناءهم و جهدهم
و أنساهم قليلا من المعاناة الرهيبة الي عاشوها آنفا ، كما تمت معالجة اثار عضة العقرب التي
تعرض لها / ياسر/ و ذلك باعطائه ترياقا مناسبا للسم الذي سرى في جسده ، حيث أن العقرب السوداء الضخمة التي لذغته معروفة لدى القبائل المحلية .
و في صباح اليوم الرابع كان الرفاق قد تمكنوا من اراحة اجسادهم المنهوكة قليلا بعد
حصولهم على استقبال كريم و مضياف و نوم مريح و هانئ طيلة الليل ، فدعاهم الشيخ
/راشد/ الى خيمة الضيافة الكبيرة و تناول وجبة الافطار برفقتهم قبل أن يسأل:
لحد الساعة لم أعرف السبب الذي دفعكم الى المغامرة بأرواحكم وسط المجهول حتى بلوغكم
أرضنا ، فالاتجاه الذي قدمتم منه ليست طريقا صحراوية و انما مجرد صحراء موحشة لا يجرؤ أحد قط على عبورها حتى أبناء المنطقة أنفسهم.
فقال البروفيسور:--و هذا هو ما يفسر رفض جميع المرشدين مرافقتنا ، لأن الاتجاه الذي
سلكناه ليست طريقا و انما مجرد فيافي مقفرة . ثم حكا له بالتفصيل دواعي سفرهم و أسباب
قيامهم بهذه الرحلة المضنية.
فقال الشيخ راشد:
--انكم تتحدثون عن ظاهرة غريبة و فريدة نادرة الحدوث ، و هي تحصل مرة كل بضع عشرات من السنين ، و تقع خاصة في المناطق الصحراوية النائية و الموحشة ، حيث تظهر
/غيابة/ وسط الرمال،و هي مهبط في الأرض لا قعر و لا قرار له ، تبتلع الأشخاص والأجسام التي تقترب منها ثم تختفي في لحظات معدودة ، و لا أحد يعرف مصير الأشخاص
المفقودين كما أن هذه الغيابة تظهر فجأة وسط الصحراء و تلقي بأشخاص مجهولين و بأجسام مختلفة ثم تنمحي سريعا ، و قد ألقت الينا احدى هذه الغيابات مؤخرا شخصا يتحدث بلهجة
خليجية و هو مريض يتلقى علاجه باحدى الواحات القريبة و أرجو أن يكون هو ضالتكم المنشودة.
فابتهج الجميع اثر تلقيهم هذه الأنباء السارة ، فقال / ياسر/:
-- الحمد لله أن مجهوداتنا و معاناتنا طيلة الأيام السابقة لم تذهب سدى.
فقال سمير:
--نحمده و نشكره كثيرا ، لكن ينبغي علينا عدم الافراط في الرجاء قبل أن نلتقي هذا الشخص
و نتأكد من هويته .
فقال الشيخ/ راشد/:
سوف أبعث معكم أحد العارفين بدروب الصحراء ليرافقكم الى الواحة المنشودة لتتأكدوا من هوية صاحبكم ، و سوف يصطحبكم الى مدينة / الكويرة / في حال رغبتم في العودة اليها
حيث سيسلك بكم احدى الطرق الآمنة و المعروفة.
فقام الثلاثة بشكره غاية الشكر قبل أن يتوجهوا الى الواحة القريبة ، و ما هي الا لحظات
حتى التقوا بالشخص الخليجي الذي لم يكن سوىالدكتور /سليم/ العالم السعودي ، ففرحوا بذلك
غاية الفرح ، ثم طلبوا منه مرافقتهم الى مدينة / الكويرة/ استعدادا للعودة الى أهله و أسرته ،
فأخبرهم بأن عليه المكوث يومين آخرين ريثما تتحسن حالته الصحية قليلا و يقوى على السفر
فلازموه خلالهما مستمتعين بالطبيعة الخلابة للواحة الظليلة ، ثم عاد الجمع الى مدينة
/ الكويرة/ و لم يلبث العالم السعودي أن التقى بأهله و سط دموع فرحة اللقاء بعد أشواق
الفراق في حين أصبح /سمير/ و / ياسر/ صديقان حميمان بعد مرورهما بتجربة فريدة قل مثيلها ،أما البروفيسور / نادر/ فعاد الى مدينة مراكش بعد أن ملأ جعبته بخبرة جديدة حول
غيابات الصحراء لتنضاف الى سجله الحافل بالغرائب و العجائب.
. النهايـــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــــة .
__________________________________________________ __________